ثمّة قرارات دبلوماسية تُعبّر عن مواقف أكثر بلاغة من آلاف الخطب. الجزائر، الدولة التي لا تفوّت فرصة لتذكير العالم بماضيها النضالي ضد الاستعمار، فتحت ذراعيها مؤخرًا لمجموعة نازية جديدة من بروتاني تُدعى " الحزب الوطني البروتاني"، أسّسها بوريس لو لي. ورغم تأثيرها الضئيل الذي لا يكاد يُذكر، خصّص الإعلام العمومي الجزائري تغطية لزعيمها الذي يُمجّد فكرة النقاء العرقي، فقط لأنه يحلم بانفصال منطقته عن فرنسا.
كنا نعلم أن الجزائر كريمة مع الانفصاليين الصحراويين، وها هي اليوم تمدّ يدها إلى اليمين المتطرف الأوروبي. لم تعد هذه دبلوماسية، بل مسرحية هزلية. منح إروان برادييه، رئيس الحزب الوطني البروتاني، أول ظهور إعلامي له، وهو أشبه ما يكون بتنظيم مؤتمر عن التسامح في مسجد باريس مع إريك زيمور كضيف شرف.
Ma toute première intervention publique, au nom du parti. Le journaliste de Canal Algérie a été un excellent contact et je le remercie pour les échanges très constructifs que nous avons eu. https://t.co/5yIFkePbrZ
— Erwan Pradier (@ErwanPradierPNB) May 11, 2025
الرسالة واضحة: "هل تهاجمون فرنسا؟ تفضّلوا، أيها الرفاق." لا يهم إن كنتم تحملون أفكار كراهية، أو تتبنّون الأطروحات النازية الجديدة، أو كانت رؤيتكم للعالم تتوقف عند مفهوم "النقاء العرقي". يقال إن عدو عدوي صديقي، لكن في الاستمرار بالتحالف مع الشياطين، يكمن خطر أن ينتهي بك المطاف بقرنين.
من الجدير بالذكر أن الجزائر لم تهضم إعلان باريس دعمها لسيادة المغرب على الصحراء. وكما جرت العادة، حين تتعثر الجزائر دبلوماسيًا، تلجأ إلى سلاحها المفضل: المطرقة الانفصالية. دعمٌ للبوليساريو، الذراع المسلح لانفصالية متكلّسة في تندوف؛ افتتاح مكتب "ريفي" في العاصمة الجزائرية؛ واليوم، تقارب غريب مع يمين متطرف من بروتاني. وغدًا؟ من يعلم؟ تحالف مع انفصاليي تكساس؟
لكن بعيدًا عن السخرية من مقابلة "النازي الجديد البروتاني"، فإن النفاق هو ما يثير الدهشة. النظام نفسه الذي يدين التدخل في شؤونه إذا تحدث كاتب مثل بوعلام صنصال عن جزء من تاريخ بلده – إلى درجة سجنه بتهمة "المساس بالوحدة الترابية" – يفتح ذراعيه لجماعات تدعو لتفكيك دول الجوار.
يجب أيضًا الحديث عن هذا الكيل بمكيالين الذي بلغ حد العبث. برونو ريتايو، وزير الداخلية الفرنسي، تتهمه الجزائر بأنه رأس الحربة في اليمين المتطرف المعادي لها، وفي الوقت نفسه تبث دعايتها بالتعاون مع أحزاب بروتانية صغيرة ذات جذور أيديولوجية غارقة في وحول اليمين المتطرف الأوروبي.
هذا الدعم المتكرر للحركات المتطرفة يتجاوز الرمزية. إنه جزء من استراتيجية باتت محل انتقاد من قبل عدد متزايد من الدول. مالي، على سبيل المثال، أشارت إلى تدخلات الجزائر وعلاقاتها بجماعات إرهابية في الساحل. أما المغرب، فلم يعد بحاجة لإثبات ما يقدَّم للبوليساريو من دعم عسكري ومالي ودبلوماسي، حتى أن بعض قادة الجبهة لا يخفون دعوتهم لاستهداف المدنيين.
لكن اللعب بالنار ينتهي دائمًا بالحرق. على النظام الجزائري أن يستوعب هذا الدرس: التلويح بمطرقة بشكل فوضوي في بيت من زجاج، مغامرة محفوفة بالخطر.